أحمد شاب في الثلاثينات من عمره، صحيح أنه غير منتمي إلى أي حزب من الأحزاب السياسة، إلا أن كونه من سكان مدينة طنجة التي أعطت أكبر نسبة أصوات للحزب الحاكم حاليا، جعله يعيد التفكير أكثر من مرة خلال هذه الإستحقاقات، وذلك بعد مرور مدة ولاية هذه الأخيرة، والتي لم تقدم فيها الحكومة أي تغيير على مستوى المدينة على الأقل، حسب أحمد.
"لم أعد أثق في أي حزب من الأحزاب، كلهم سواسية، نعم وثقنا فيهم من قبل لكن على أمل أن يكون هؤلاء أفضل من سابقيهم، خصوصا أنهم لم يغادروا منصة المعارضة منذ تأسيسهم، وأن شعاراتهم الرنانة ظلت مترسخة في بال المواطنين، قبل أن يتخلوا عنها نهائية فور وصولهم إلى الحكومة"، هكذا عبر أحمد الذي يشتغل كنادل في إحدى المقاهي الشعبية من خلال حديثنا معه، قبل أن يضيف "مطالبنا كانت بسيطة توفير فرص شغل، تعليم جيد وخدمات تحقق كرامة المواطن، إلا أن هذا لم يحدث".
أما سميرة ربة البيت البسيطة، فربطت الإنتخابات بحاجاتها اليومية حيث قالت "أتمنى أن تكون هذه الإستحقاقات سببا في انخفاض أثمنة المواد الأولية، فقد شهدت إرتفاعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أن الموائد تكاد تنقص كل يوم من صنف معين نظرا لإرتفاع ثمنه"، كما أن هذه الأشياء لم تمنع سميرة من التصويت، حيث أضافت "توجهت إلى مكاتب التصويت واخترت الأفضل بالنسبة لي، كما قام بذلك كل من أبنائي وزوجي، لعل الواقع يتغير ويصبح حالنا أفضل، فهذه المرة نرى وجوها جديدة عكس ما رأيناه سابقا، وهو ما يبشر بالخير".
وفي الوقت الذي اتجهت فيه الفئات البسيطة لدعم الأحزاب ذات قاعدة جماهيرية واسعة، والتي تستعمل خطابات قريبة من الشعب وتحشد هممهم في كل تجمع خطابي، فإن عددا من المثقفين والأساتذة وكذا الفنانين أعلنوا أكثر من مرة عن تضامنهم مع أحد الأحزاب اليسارية التي تترشح لأول مرة، بعد سنوات طويلة من قرارها مقاطعة لعبة الديمقراطية والإكتفاء بالإمتناع عن المشاركة، حيث عبر هؤلاء من خلال تدوينات على مواقع التواصل الإجتماعي عن عزوفهم عن ذلك عبر التصويت لصالح هذا الحزب.
وبين الفئتين السالف ذكرهما، يوجد عدد كبير من المقاطعين والمشككين في نزاهة الإنتخابات كحال أحمد، الأمر الذي دفع وزير الداخلية إلى إصدار بلاغ رسمي أكد فيه أن عدد الشكايات التي توصلت بها سواء النيابة العامة أو الإدارات المحلية لا تتعدى 100 شكاية، مقارنة مع 500 شكاية خلال نفس الفترة من انتخابات سنة 2011، وأضاف أن عدد التظاهرات المنظمة برسم الانتخابات التشريعية الحالية ارتفع بنسبة 50 في المائة مقارنة بانتخابات سنة 2011، وتضاعف أربع مرات مقارنة مع انتخابات سنة 2007، وهو ما يؤكد نزاهة هذه الإستحقاقات وعدم تدخل أي طرف فيها.
وبينما كثر الحديث عن ارتكاب رجال وأعوان السلطة للعديد من الخروقات خلال الحملة الانتخابية، أوضح الوزير أنه لم يثبت، إلى حد الآن، ارتكاب أي خرق للقانون من طرف المعنيين بالأمر، مذكرا بـهذا الخصوص بالتدابير الاحترازية التي بادرت الوزارة إلى اتخاذها في هذا الشأن، وكذا بالتعليمات الملكية في هذا الصدد الرامية إلى توفير كافة الظروف والإجراءات المناسبة لضمان إجراء هذه الانتخابات في جو من الشفافية والنزاهة.
واللافت خلال هذه الإنتخابات، هو توجه الأحزاب المشاركة إلى تبادل الإتهامات عوض إظهار برنامج إنتخابي واضح، حيث أكد بهذا الخصوص الأستاذ الجامعي في كلية الحقوق بفاس والمدير التنفيذي للمركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية، محمد فقيهي، أن الأحزاب السياسية توظف خلال حملاتها "لغة معتدلة"، وتركز خطابها السياسي حول "الزعامة". ولهذا الغرض، يضيف المتحدث، فإن الأحزاب تستعمل وسائل الاعلام الرسمية، كما ينص على ذلك القانون، لإسماع صوتها والترويج لبرامجها السياسية لدى أكبر عدد من المشاهدين.
وأعرب الأستاذ الجامعي بهذا الخصوص، عن يقينه بأن الأحزاب السياسية تتبنى نوعا من "التقييد الذاتي" في استعمال بعض التصريحات التي تعتبر "تشهيرية أو افترائية أو لا أساس لها "، وكذا أي شكل من أشكال الاساءة، لافتا إلى وعي هذه الأحزاب، بأن هذه التصريحات إذا ما تم تأكيدها، فهي تشكل أدلة قاطعة لادانة هذه الأحزاب خلال المنازعات الانتخابية، ومن شأنها أنت تؤدي إلى إلغاء الولاية الانتخابية.
وبين مشارك ومقاطع للإنتخابات، تبقى النتائج التي ستحققها الحكومة المنبثقة من خلال هذه العملية في مجالات التشغيل والصحة والتعليم هي الفيصل الوحيد بين الفئتين، فهي من ستؤكد أيها كان على صح وأيهما كان على خطأ.