Print this page
16
كانون2/يناير

النساء المعنفات بلا سند جنوب المغرب

رغم تحسن وضعية المرأة في المغرب في العشريات الأخيرة، من خلال تضاعف نسبة تمدرس الفتيات و اعتلاء المرأة المغربية لأعلى المناصب، يبقى العنف المسلط على المرأة من ضمن الممارسات الشائعة على نطاق واسع، خصوصا في الأوساط الريفية. احصائيات حديثة بينت أن امرأة من جملة اثنتين تتعرض للعنف و أن هذا العنف يمارس في 50% من الحالات داخل مؤسسة الزواج. و قد أكدت دراسة أجرتها هيومن رايتس واتش في 2015 وجود هذه الظاهرة مبينة أنها منتشرة في كافة المدن المغربية. و كالة صوت الكثبان حاولت الإستقصاء حول الظاهرة في مثلث سيدي إيفني، كلميم و طانطان، الواقع جنوب المغرب على الساحل الأطلسي، و هي منطقة تعتبر أكثر تحررا من الداخل المغربي.

أول ملاحظة استقيناها كانت تضاعف عدد الجمعيات التي تعنى بالنساء المعنفات، بشكل كبير في المغرب مما يترجم حتما تفشي الظاهرة فوجود مثل هذه الجمعيات ليس إلا سدا لاحتياج معين. كما لاحظنا أيضا ارتفاع عدد البيوت التي تستقبل النساء المعنفات أو اللواتي تخلى عنهن أزواجهن و قد تكفلت عديد المنظمات غير الحكومية بهذا الموضوع كما أظهر المجتمع المدني اهتماما بمصير هؤلاء النسوة خصوصا الأمهات منهن. أما الشهادات المستقاة من الجمعيات التي تعنى بالنساء المعنفات فأقل ما يقال عنها أنها فظيعة و قد فضلت النساء اللواتي تحدثن عن تجربتهن عدم الكشف عن هوياتهن خوفا من العواقب.

أول هؤلاء النسوة تدعى ماجدة (اسم مستعار) وتبلغ من العمر 32 عاما. ماجدة، أصيلة قلميم، أم لطفلين: بنت تبلغ من العمر خمس سنوات و ابن عمره أربع سنوات، متزوجة منذ ثماني سنوات و قد بدأ زوجها في تعنيفها ستة أشهر بعد الزواج. تروي لنا ماجدة : " اقتصر الموضوع في الأول على الصفع ليتجاوزه بعد ذلك إلى الخنق في كل مرة أرفع فيها صوتي للتذمر أو لطلب النجدة من الجيران". ماجدة تضيف أن زوجها لم يكف عن ممارسة الإبتزاز العاطفي عليها من خلال طردها من المنزل و الإحتفاظ بالأطفال مما أجبرها على العمل كخادمة لكسب لقمة عيشها و إيجاد سقف يأويها. و رغم أنها استنجدت في عديد المرات بالشرطة، " إلا أنهم هناك يقولون لي أنه ليس بوسعهم مساعدتي، حتى في المرة التي كان فيها وجهي مكسوا بالدماء...فقد اكتفى الأعوان بأن طلبوا مني الإستظهار بشهادة طبية لقبول الشكوى لكنني لم أكن أملك المال الكافي لأجلب الشهادة". أخيرا انتهى المطاف بماجدة منذ شهرين في مركز يأوي نساء تخلى عنهن أزواجهن، استنجدت به يوم أنقذها جيرانها من قبضة زوج انقض عليها بمكنسة...و هي الآن تعيش في المركز برفقة طفليها، إلا أنها لم تتقدم بقضية في الطلاق لأن أوراقها الشخصية بقيت بحوزة زوجها... تضيف محدثتنا قائلة و كلها خوف من مغبة لقاء يفرض نفسه : " أنا مجبرة على الذهاب لمقابلته في القريب العاجل لأنني بحاجة لأوراق الهوية الخاصة بابنتي لإلحاقها بالمدرسة".

وضعية ماجدة ليست شاذة في المنطقة فخولة (اسم مستعار آخر) ذات ال 22 ربيعا، أصيلة تان تان، أم لرضيع لم يتجاوز شهره السادس، عاشت نفس المأساة. خولة تزوجت منذ سنتين من رجل يكبرها ب18 عاما أصيل ورزازات اضطرت أن تنتقل معه للعيش هناك رفقة عائلته... و منذ الأسبوع الأول للزواج، تحولت خولة إلى خادمة لكل أفراد عائلة زوجها الذي لم يتوانى عن تعنيفها في كل مرة كانت ترفض فيها الرضوخ لأوامره أو لأوامر والدته. تروي محدثتنا أنها تعرضت للتعنيف حتى أثناء حملها. و قد استغلت دخولها المستشفى من أجل الولادة حتى تحصل على موافقة زوجها للمكوث بضعة أسابيع مع عائلتها ليتمكن منذ ذلك الحين أحد أقاربها من إيجاد جمعية وافقت على إيوائها مع رضيعها.

خولة كشفت لنا عن ندبة عبارة على بقايا غرز على ذراعها إثر طعنة سكين أصابها بها زوجها بعد محاولة فاشلة منه أن يطعنها في وجهها لا لشيء إلا لأنها تجرأت على طلب الطلاق... يومها قال لها : " تريدين الطلاق، سأريك ماذا نفعل باللواتي يطلبن الطلاق" مسددا السكين إلى وجهها... من حسن حظها أنها رفعت ذراعها في الوقت المناسب لحماية نفسها مما كلفها 12 غرزة.

و يبين ضعف رد فعل السلطات المغربية على مشاهد العنف هذه عجز القوانين المغربية عن منع العنف المنزلي و عن حماية الناجيات و كذلك عن عقاب الجناة فمن حق الضحايا كماجدة و خولة أن يحضين باهتمام أكبر من قبل ممثلي القضاء لحماية حقوقهن. المملكة المغربية مدعوة إذا إلى تعزيز ترسانتها القضائية بخصوص المسألة من أجل حماية أفضل لضحايا العنف المنزلي.